مكْرُ الزَّمانِ علينا غيرُ مأمونِ
فلا تظنَّنَّ ظنَّاً غيرَ مَظنونِ
بل المخوفُ علينا مَكْرُ أنفُسِنا
ذاتِ المُنَى دون مَكْرِ البيضِ والجُون
إنَّ اللَّياليَ والأيامَ قد كَشفَتْ
من كَيْدها كلَّ مستورٍ ومكنونِ
وخَبَّرتنا بأنَّا مِنْ فرائسها
نواطقاً بفصيح غيرِ مَلْحون
واستَشْهَدَتْ من مَضَى منَّا فأنْبأَنا
عن ذاك كلُّ لقىً منا ومَدْفون
مِنْ هالكٍ وقتيلٍ بينَ مُعْتَبَطٍ
وبينَ فانٍ بِتَرْكِ الدَّهْرِ مَطْحون
فكيفَ تمكُرُ وهْيَ الدهرَ تُنْذِرُنا
من الحوادثِ بالأبْكارِ والعُون
ووالدينِ حقيقٌ أنْ يَعقَّهُما
راعي الأمور بطرفٍ غير مَكْمون
أبٌ وأمٌّ لهذا الخلقِ كلهمُ
كلاهُمَا شَرُّ مَقْرونٍ بمقرون
دهرٌ ودُنيا تلاقِي كُلَّ مَنْ ولَدا
لديْهما بِمَحَلِّ الخَسْفِ والهُون
للذَّبْح من غَذَوا مِنَّا ومن حَضنا
لا بلْ ومن تركاهُ غيرَ مَحضون
إنْ رَبَّيا قَتَلا أو أسْمنا أكَلا
فما دَمٌ طَمِعا فيه بمحقون
أبٌ إذا بَرَّ أبلانا وأهْرمَنا
قُبْحاً له من أبٍ بالذَّمِّ ملسون
نُضْحِي له كقِداحٍ في يَدَيْ صَنَعٍ
فكُلُّنَا بينَ مَبْرِيٍّ ومسفون
يغادر الجَلْدَ منا بعدَ مِرَّتهِ
عَظْماً دقيقاً وجِلداً غير مودون
نِضْواً تراهُ إذا ما قام مُعْتَصِماً
بالأرضِ يَعْجِنُ منها شَرَّ معجون
حتى إذا ما رُزِئْنا صاح صائحُهُ
ليس الخلود لذِي نَفْسٍ بِمضمُون
هذا وإنْ عفَّ فالأدواء مُعرِضَةٌ
مِن بينِ حُمَّى وبِلسامٍ وطاعون
والحربُ تضرمها فينا حوادثُه
حتى نُرَى بين مضروبٍ ومطعون
وأمُّ سوءٍ إذا ما رام مُرتَضِعٌ
أخلافَها صُدَّ عنها صدَّ مَزْبون
تجْفُو وإنْ عانقَتْ يوماً لها ولداً
كانتْ كمطرورةٍ في نَحْرِ موتون
ونحن في ذاك نُصفيها مودَّتَنا
تبّاً لكل سفيهِ الرأي مَغبون
نشكو إلى الله جهلاً قد أضرَّ بنا
بل ليس جهلاً ولكن علم مفتون
أغوى الهوى كلَّ ذي عقل فلست ترى
إلا صحيحاً له أفعالُ مجنون
نعصِي الإله ونَعصِي الناصحين لنا
ونستجيبُ لمقبوح ومَلعون
هوىً غَوِيٌّ وشيطان له خُدعٌ
مُضَلِّلاتٌ وكيدٌ غيرُ مأمون
أعْجِبْ به مِنْ عَدوٍّ ذي مُنابذةٍ
مُصغىً إليه طوالَ الدهْرِ مزكون
وفي أبِينا وفيه أيُّ مُعتبَرٍ
لو اعتبرنا برأيٍ غيرِ مأفون
حتى متى نشتري دنيا بآخرةٍ
سفاهةً ونبيعُ الفوْق بالدون
مُعَلَّلين بآمال تُخادعنا
وزخرف من غُرورِ العيش موصون
نَجْرِي مع الدَّهِر والآجالُ تَخْلِجُنا
والدهرُ يَجرِي خليعاً غير معنون
إنَّا نُجارِي خَليعاً غير مُتَّزعٍ
ونحنُ من بين مَعنونٍ ومَرْسون
يبقى ونَفْنَى ونرجو أن نُماطلَه
أشواط مضطلع بالجَرْي أُفنون
تأتِى على القمرِ السَّاري حوادثه
حتى يُرى ناحلاً في شخص عُرجون
نبني المعاقلَ والأعداءُ كامنةٌ
فينا بكل طرير الحَدّ مسنون
ونَجمعُ المالَ نرجو أن يُخَلِّدنا
وقد أبىَ قبلنا تخليدَ قارون
نظل نَسْتَنْفِقُ الأعمارَ طيِّبةً
عنها النفوسُ ولا نسخو بماعون
مع اليقين بأنَّا محرِزون به
قِسْطاً من الأجر موزوناً بموزون
يا بانِيَ الحصنِ أرساهُ وشيده
حرزاً لِشلْوٍ من الأعداءِ مَشْحون
انظرْ إلى الدهرِ هل فاتتْهُ بغُيتُهُ
في مَطْمح النسر أو في مَسْبح النون
بنيتَ حصْناً وأمُّ السُّوء قد خَبَنَتْ
لك المنيةَ فانظُرْ أيَّ مَخْبون
ومن تَحصَّنَ محبوساً على أجلٍ
فإنما حِصنه سجْنٌ لمسجون
---------------------------------------
ابن الرومي
فلا تظنَّنَّ ظنَّاً غيرَ مَظنونِ
بل المخوفُ علينا مَكْرُ أنفُسِنا
ذاتِ المُنَى دون مَكْرِ البيضِ والجُون
إنَّ اللَّياليَ والأيامَ قد كَشفَتْ
من كَيْدها كلَّ مستورٍ ومكنونِ
وخَبَّرتنا بأنَّا مِنْ فرائسها
نواطقاً بفصيح غيرِ مَلْحون
واستَشْهَدَتْ من مَضَى منَّا فأنْبأَنا
عن ذاك كلُّ لقىً منا ومَدْفون
مِنْ هالكٍ وقتيلٍ بينَ مُعْتَبَطٍ
وبينَ فانٍ بِتَرْكِ الدَّهْرِ مَطْحون
فكيفَ تمكُرُ وهْيَ الدهرَ تُنْذِرُنا
من الحوادثِ بالأبْكارِ والعُون
ووالدينِ حقيقٌ أنْ يَعقَّهُما
راعي الأمور بطرفٍ غير مَكْمون
أبٌ وأمٌّ لهذا الخلقِ كلهمُ
كلاهُمَا شَرُّ مَقْرونٍ بمقرون
دهرٌ ودُنيا تلاقِي كُلَّ مَنْ ولَدا
لديْهما بِمَحَلِّ الخَسْفِ والهُون
للذَّبْح من غَذَوا مِنَّا ومن حَضنا
لا بلْ ومن تركاهُ غيرَ مَحضون
إنْ رَبَّيا قَتَلا أو أسْمنا أكَلا
فما دَمٌ طَمِعا فيه بمحقون
أبٌ إذا بَرَّ أبلانا وأهْرمَنا
قُبْحاً له من أبٍ بالذَّمِّ ملسون
نُضْحِي له كقِداحٍ في يَدَيْ صَنَعٍ
فكُلُّنَا بينَ مَبْرِيٍّ ومسفون
يغادر الجَلْدَ منا بعدَ مِرَّتهِ
عَظْماً دقيقاً وجِلداً غير مودون
نِضْواً تراهُ إذا ما قام مُعْتَصِماً
بالأرضِ يَعْجِنُ منها شَرَّ معجون
حتى إذا ما رُزِئْنا صاح صائحُهُ
ليس الخلود لذِي نَفْسٍ بِمضمُون
هذا وإنْ عفَّ فالأدواء مُعرِضَةٌ
مِن بينِ حُمَّى وبِلسامٍ وطاعون
والحربُ تضرمها فينا حوادثُه
حتى نُرَى بين مضروبٍ ومطعون
وأمُّ سوءٍ إذا ما رام مُرتَضِعٌ
أخلافَها صُدَّ عنها صدَّ مَزْبون
تجْفُو وإنْ عانقَتْ يوماً لها ولداً
كانتْ كمطرورةٍ في نَحْرِ موتون
ونحن في ذاك نُصفيها مودَّتَنا
تبّاً لكل سفيهِ الرأي مَغبون
نشكو إلى الله جهلاً قد أضرَّ بنا
بل ليس جهلاً ولكن علم مفتون
أغوى الهوى كلَّ ذي عقل فلست ترى
إلا صحيحاً له أفعالُ مجنون
نعصِي الإله ونَعصِي الناصحين لنا
ونستجيبُ لمقبوح ومَلعون
هوىً غَوِيٌّ وشيطان له خُدعٌ
مُضَلِّلاتٌ وكيدٌ غيرُ مأمون
أعْجِبْ به مِنْ عَدوٍّ ذي مُنابذةٍ
مُصغىً إليه طوالَ الدهْرِ مزكون
وفي أبِينا وفيه أيُّ مُعتبَرٍ
لو اعتبرنا برأيٍ غيرِ مأفون
حتى متى نشتري دنيا بآخرةٍ
سفاهةً ونبيعُ الفوْق بالدون
مُعَلَّلين بآمال تُخادعنا
وزخرف من غُرورِ العيش موصون
نَجْرِي مع الدَّهِر والآجالُ تَخْلِجُنا
والدهرُ يَجرِي خليعاً غير معنون
إنَّا نُجارِي خَليعاً غير مُتَّزعٍ
ونحنُ من بين مَعنونٍ ومَرْسون
يبقى ونَفْنَى ونرجو أن نُماطلَه
أشواط مضطلع بالجَرْي أُفنون
تأتِى على القمرِ السَّاري حوادثه
حتى يُرى ناحلاً في شخص عُرجون
نبني المعاقلَ والأعداءُ كامنةٌ
فينا بكل طرير الحَدّ مسنون
ونَجمعُ المالَ نرجو أن يُخَلِّدنا
وقد أبىَ قبلنا تخليدَ قارون
نظل نَسْتَنْفِقُ الأعمارَ طيِّبةً
عنها النفوسُ ولا نسخو بماعون
مع اليقين بأنَّا محرِزون به
قِسْطاً من الأجر موزوناً بموزون
يا بانِيَ الحصنِ أرساهُ وشيده
حرزاً لِشلْوٍ من الأعداءِ مَشْحون
انظرْ إلى الدهرِ هل فاتتْهُ بغُيتُهُ
في مَطْمح النسر أو في مَسْبح النون
بنيتَ حصْناً وأمُّ السُّوء قد خَبَنَتْ
لك المنيةَ فانظُرْ أيَّ مَخْبون
ومن تَحصَّنَ محبوساً على أجلٍ
فإنما حِصنه سجْنٌ لمسجون
---------------------------------------
ابن الرومي
مكْرُ الزَّمانِ علينا غيرُ مأمونِ
فلا تظنَّنَّ ظنَّاً غيرَ مَظنونِ
بل المخوفُ علينا مَكْرُ أنفُسِنا
ذاتِ المُنَى دون مَكْرِ البيضِ والجُون
إنَّ اللَّياليَ والأيامَ قد كَشفَتْ
من كَيْدها كلَّ مستورٍ ومكنونِ
وخَبَّرتنا بأنَّا مِنْ فرائسها
نواطقاً بفصيح غيرِ مَلْحون
واستَشْهَدَتْ من مَضَى منَّا فأنْبأَنا
عن ذاك كلُّ لقىً منا ومَدْفون
مِنْ هالكٍ وقتيلٍ بينَ مُعْتَبَطٍ
وبينَ فانٍ بِتَرْكِ الدَّهْرِ مَطْحون
فكيفَ تمكُرُ وهْيَ الدهرَ تُنْذِرُنا
من الحوادثِ بالأبْكارِ والعُون
ووالدينِ حقيقٌ أنْ يَعقَّهُما
راعي الأمور بطرفٍ غير مَكْمون
أبٌ وأمٌّ لهذا الخلقِ كلهمُ
كلاهُمَا شَرُّ مَقْرونٍ بمقرون
دهرٌ ودُنيا تلاقِي كُلَّ مَنْ ولَدا
لديْهما بِمَحَلِّ الخَسْفِ والهُون
للذَّبْح من غَذَوا مِنَّا ومن حَضنا
لا بلْ ومن تركاهُ غيرَ مَحضون
إنْ رَبَّيا قَتَلا أو أسْمنا أكَلا
فما دَمٌ طَمِعا فيه بمحقون
أبٌ إذا بَرَّ أبلانا وأهْرمَنا
قُبْحاً له من أبٍ بالذَّمِّ ملسون
نُضْحِي له كقِداحٍ في يَدَيْ صَنَعٍ
فكُلُّنَا بينَ مَبْرِيٍّ ومسفون
يغادر الجَلْدَ منا بعدَ مِرَّتهِ
عَظْماً دقيقاً وجِلداً غير مودون
نِضْواً تراهُ إذا ما قام مُعْتَصِماً
بالأرضِ يَعْجِنُ منها شَرَّ معجون
حتى إذا ما رُزِئْنا صاح صائحُهُ
ليس الخلود لذِي نَفْسٍ بِمضمُون
هذا وإنْ عفَّ فالأدواء مُعرِضَةٌ
مِن بينِ حُمَّى وبِلسامٍ وطاعون
والحربُ تضرمها فينا حوادثُه
حتى نُرَى بين مضروبٍ ومطعون
وأمُّ سوءٍ إذا ما رام مُرتَضِعٌ
أخلافَها صُدَّ عنها صدَّ مَزْبون
تجْفُو وإنْ عانقَتْ يوماً لها ولداً
كانتْ كمطرورةٍ في نَحْرِ موتون
ونحن في ذاك نُصفيها مودَّتَنا
تبّاً لكل سفيهِ الرأي مَغبون
نشكو إلى الله جهلاً قد أضرَّ بنا
بل ليس جهلاً ولكن علم مفتون
أغوى الهوى كلَّ ذي عقل فلست ترى
إلا صحيحاً له أفعالُ مجنون
نعصِي الإله ونَعصِي الناصحين لنا
ونستجيبُ لمقبوح ومَلعون
هوىً غَوِيٌّ وشيطان له خُدعٌ
مُضَلِّلاتٌ وكيدٌ غيرُ مأمون
أعْجِبْ به مِنْ عَدوٍّ ذي مُنابذةٍ
مُصغىً إليه طوالَ الدهْرِ مزكون
وفي أبِينا وفيه أيُّ مُعتبَرٍ
لو اعتبرنا برأيٍ غيرِ مأفون
حتى متى نشتري دنيا بآخرةٍ
سفاهةً ونبيعُ الفوْق بالدون
مُعَلَّلين بآمال تُخادعنا
وزخرف من غُرورِ العيش موصون
نَجْرِي مع الدَّهِر والآجالُ تَخْلِجُنا
والدهرُ يَجرِي خليعاً غير معنون
إنَّا نُجارِي خَليعاً غير مُتَّزعٍ
ونحنُ من بين مَعنونٍ ومَرْسون
يبقى ونَفْنَى ونرجو أن نُماطلَه
أشواط مضطلع بالجَرْي أُفنون
تأتِى على القمرِ السَّاري حوادثه
حتى يُرى ناحلاً في شخص عُرجون
نبني المعاقلَ والأعداءُ كامنةٌ
فينا بكل طرير الحَدّ مسنون
ونَجمعُ المالَ نرجو أن يُخَلِّدنا
وقد أبىَ قبلنا تخليدَ قارون
نظل نَسْتَنْفِقُ الأعمارَ طيِّبةً
عنها النفوسُ ولا نسخو بماعون
مع اليقين بأنَّا محرِزون به
قِسْطاً من الأجر موزوناً بموزون
يا بانِيَ الحصنِ أرساهُ وشيده
حرزاً لِشلْوٍ من الأعداءِ مَشْحون
انظرْ إلى الدهرِ هل فاتتْهُ بغُيتُهُ
في مَطْمح النسر أو في مَسْبح النون
بنيتَ حصْناً وأمُّ السُّوء قد خَبَنَتْ
لك المنيةَ فانظُرْ أيَّ مَخْبون
ومن تَحصَّنَ محبوساً على أجلٍ
فإنما حِصنه سجْنٌ لمسجون
---------------------------------------
ابن الرومي
0 التعليقات
0 المشاركات
20 مشاهدة
0 معاينة